٩.١٠.٠٩

التخبط وسوء التخطيط في اتخاذ القرارات في وزارة التعليم العالي

كتب الدكتور أحمد الاسدي في ضوء القرارات المتناقضة المرتجلة لوزارة التعليم :
إن أبسط مبادئ اتخاذ القرار في أعلى قمة الهرم الاداري في الدولة وهي الوزارة هو أن تجرى دراسة كاملة حول هذا القرار تبين ايجابياته وسلبياته وانعكاسات القرار على الشريحة التي يهمها ، ومن ثم يتم اتخاذ القرار بإقراره أو عدمه ، إلا أن ما عشناه مع وزارة التعليم العالي خلال السنوات الماضية وخصوصا السنتين الأخيرتين يدل على عدم وجود تخطيط نهائيا وأن القرار يتم اتخاذه بدون أية دراسة حوله والظروف المحيطة به ، وأن القرارات مرتجلة بشكل واضح تماما ، والدليل على ذلك هو إلغاء ذلك القرار بعد مدة قصيرة تماما ، بحيث أننا كأكاديميين لم تعد لنا أية ثقة بقرارات الوزارة ، وقد انعكس ذلك على سير العملية التعليمية بشكل سلبي تماما ، وأدى إلى انحطاط وتدني المستوى التعليمي للطلبة بشكل كبير ، إضافة إلى انتفاء الحافز لدى التدريسي للقيام بواجبه على أكمل وجه ، كونه يعلم أن الوزارة والعمادة ورئاسة الجامعة سوف تنسف كل جهوده التي بذلها طوال العام الدراسي ، وعلى سبيل المثال ففي العام الماضي طلعت علينا الوزارة بقرار لم يسبق له مثيل في أية دولة من دول العالم على حد علمي وهو الدور الثالث ، وجاء القرار من الوزارة بأنه يسمح للطلبة الذين لديهم "ظروف قاهرة" بأداء امتحانات الدور الثالث ، وطبعا لم يوضح القرار طبيعة الظروف القاهرة بحيث أن جميع الطلبة الراسبين في امتحانات الدور الثاني قاموا بتقديم طلباتهم بعد استنساخ شهادات وفاة أو شهادات دخول للمستشفيات وطبعا كلها مزورة ، وكان تاريخ الامتحان في منتصف شهر تشرين الثاني أي بعد بداية العام الدراسي بشهر ونصف ، وجاء القرار من الوزارة بقبول ما نسبته تقريبا (1%) من الطلبة الذين قدموا الطلبات لإجراء الامتحان ، وفي يوم الامتحان – تصوروا- جاء قرار آخر يلغي الامتحانات ويؤجلها لأسبوع ويسمح لكافة الطلبة الراسبين بأدائها ، وبعد إجراء الامتحانات التي لم ينجح فيها إلا نسبة قليلة جدا من الطلبة وتأخر ظهور النتائج إلى منتصف شهر كانون الثاني ، فان الطلبة الناجحين قد فاتهم نصف السنة وكذلك الراسبين ولم يكن بإمكان التدريسي فصل أي طالب بسبب الغياب كون الطالب كان يمتحن الدور الثالث، إنها والله مهزلة كبرى وإساءة للتعليم العالي ما بعدها إساءة ، وفي هذه السنة ، جاء قرار بعد انتهاء امتحانات الدور الأول يمنع الطلبة الراسبين بأكثر من نصف المواد من أداء امتحانات الدور الثاني – انظروا إلى الارتجالية – لو كنتم تريدون اتخاذ مثل هذا القرار فكان المفروض أن يأتي في بداية أو على الأقل منتصف السنة الدراسية حتى تكون الكليات والطلبة على علم بهذا الموضوع ، وذيل القرار بعبارة ( ولا يسمح لأي طالب راسب في أكثر من نصف المواد بأداء امتحانات الدور الثاني لأي سبب من الأسباب) ، طبعا نحن كتدريسيين وكذلك معظم الطلبة كنا على علم بأن هذا القرار سيلغى ، وفعلا لم يستمر هذا القرار أكثر من عشرة أيام ليلغى بعدها وكما قال القرار ( تقديرا لظروف الطلبة سمح للراسبين بأكثر من نصف المواد بأداء امتحانات الدور الثاني)، أي كان ذلك التقدير عندما اتخذتم القرار الأول ، هل ظهر الآن فجأة ، ثم جاء قرار آخر بإلغاء العبور لهذه السنة وأن الطالب الذي يرسب حتى لو في مادة واحدة عليه إعادة السنة الدراسية وقد كنا على علم مسبق ونتكلم فيما بيننا كتدريسيين بأن هذا القرار سيلغى أيضا ، وفعلا ألغي القرار وتمت إعادة العبور بعد أن انتهت السنة الدراسية ، علما بأن الكليات اتخذت احتياطاتها وأعطت للطلبة قرارات عديدة تمنحهم درجات ببلاش ، حيث أعطى ما يسمونه ( الكيرف) وهو إعطاء إما خمس درجات أو عشر درجات للمواد التي فيها نسبة الرسوب عالية إضافة إلى قرار العمادة بإعطاء عشر درجات لكل طالب راسب في الدور الثاني ، أي أن الطالب الذي يحصل في الامتحان على درجة (30من 100) سينجح بواسطة الكيرف والقرار وهذا الشئ شاهدته بأم عيني للعديد من الطلبة ، وناقشه مجلس القسم ومجلس الكلية ، والآن بعد توزيع النتائج على اللجان الامتحانية أن ترجع مرة أخرى للعمل ونحن الآن نقترب من منتصف شهر تشرين الأول وليس هناك دوام للطلبة لأن نتائج الدور الثاني ظهرت أمس والبعض اليوم وبعض الكليات في الأسبوع القادم ، علما بأن تقويم الوزارة للعام الدراسي يبدأ في 27/9/2009 ، أما المرحلة الأولى فلا أعتقد أنه سيكون بإمكانهم بدء الدراسة قبل شهر كانون الثاني كون الوزارة وزعت استمارات القبول في منتصف شهر أيلول – ولا أعلم أين كانت الوزارة طوال العطلة الصيفية – وهذه الحالة تكررت للعام الثاني على التوالي بحيث أن فصلا كاملا يخسره طلبة المرحلة الأولى كل سنة ، وتقولون يا سيادة الوزير أنكم تريدون رفع مستوى التعليم العالي في العراق فأسألك هل هذه القرارات ترفع من مستوى التعليم العالي أم تنزل به إلى الحضيض وتزيد الطين بله ، فالطالب يعلم بأنه سينجح ان لم يكن في الدور الأول ففي الثاني ، وان لم ينجح في الثاني فهناك الصرعة الجديدة وهي الدور الثالث والذي سمعنا بأنه سيطبق هذه السنة أيضا، أو بواسطة الكيرف والقرار وعليك السلام يا تعليم عالي في العراق .